العنوان الاخير من الخطبة الثانية :ـ
العالم مع من ؟
أعني من العالم هنا عالم الدين الذي يحاول الإنسجام مع دينه في حياته وواقعه كثيراً ماتنقسم مجتمعات الناس إلى فئة المواقع السلطوية الكبيرة الجائرة وفئة المواقع الشعبية المظلومة المنهكة .
وأنت تجد من خلال هذا الواقع ظلم هناك ومظلومية هنا . . علم مادياً هناك وجهلاً مادياً هنا . . قوة هناك وضعفاً هنا . . أمناً هناك وخوفاً هنا . . بذخاً هناك ومسكنة هنا . . صحة هناك ومرض هنا . . شوارع هناك وأتربة هنا .
تجدك في عالمين تجدك في بيئة راقية مترفة وفي بيئة مسحوقة وملوثة وبيئة مرض بيئة فقر بيئة جهل . .
فمع من يكون عالم الدين ؟ وأين يجب أن يجد نفسه وأن يجده الناس من هذا الإنقسام وقبل ذلك أن يجده ربه ؟
أيكون حيادي ؟ لا حيادية مع الرسالية في مثل هذا الإنقسام
مع الترف والإنحراف والظلم والبغي ؟ هذا خروج عن الخط وإنقلاب في الذات
في خندق المحرومين والمظلومين ؟ هذا هو المتعين
هذا الإنحياز هو بصورة إجابية يدفع إليه حب الله الطمع في الله خوف الله وذلك هو الذي يصبر عليه رغم ثقله وكلفته وكلفة التخندق مع المستضعفين المحرومين كلفة مضاعفة . . هي كلفة عداوة من القوي وإستهداف منه لمن إنحاز للمستضعفين ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فإن المستضعفين والمحرومين والذين طحنتهم الحياة ، أعصابهم متوترة ودمهم يغلي وقد يقل صبرهم وبل قد يخسرون صبرهم تحت وطئة الظروف ، وصاحب هذا الصف يتعب ، وقد تأتيه السهام الكثيرة وكأنه العدو والظروف والصعوبات والإرهاق وطغيان المحنة وتعاظم الفتنة يُغيرُ الأعصاب، وقد يُسبب الغضب الخطأ الكثير .
لكنها المسؤولية التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده وخاصة من وضع نفسه على خط العلم والدين بصورة علنية .
هتاف المصلين : : معكم معكم ياعلماء . .
هنا النفس تكون أمام إمتحان كبير هل تعادي المستضعف ؟ هل تنتقم لنفسها ؟ هل تتراخى في إخلاصها في جهدها ؟
على خط خدمة المستضعفين إن كانت تتعامل مع الإنسان فستفعل . . وإن كانت تتعامل مع الله فستتعالى وستصبر .
وتدخل هنا أمور تزيد من حالة توتر المستضعفين منها الأعيب المستكبرين التي تستهدف الفصل بين المستضعفين ومن يخلص لهم ، ويدخل على الخط كلمة غير واعية أو غير مسؤولة هنا أو هناك ، تصب في التحريض للنيل ممن قد يكون عاملاً بصدق وكفاءة وما خان أمانته وما توانا عن القيام بالمسؤولية التي أمان بها .
هتاف المصلين : : هل من ناصر مقاوم لبيك عيسى قاسم . .
** هذا الكلام ليس شخصياً عندكم عالم كبير هنا في الجامع هو سماحة السيد حفظه الله وهو مثل في هذا المضمار .
لكن بمقدار ما صدق علم العالم وفهمه وإيمانه وإحساسه بمسؤوليته ستجده مرابطاً مع المستضعفين المؤمنين وفي خندق واحد فهو ماقام عليه الحجة من الله عز وجل بالحركة تمنعه خشيته من التخلف .
وماذا يعني التخندق مع المستضعفين؟
لا يعني دغدغة مشاعر .. ولا يعني كلمات رنانه .. ولا يعني وعود كبيرة ، أن يكون بعقله وقلبه وإمكاناته مع همهم وقضياهم العادلة ومحنتهم التي تكوي حياتهم وقلوبهم ، أن ياخذهم لله لا لنفسه فيقف بهم عند طاعته وإنما يعلمهم دائماً أن الطاعة لله وعليهم أن ينفصلوا عنه حال خالفة خطوة خطواته طاعة ربه .
هتاف المصلين : : معكم معكم ياعلماء . .
أن يلبيهم تلبية الأنبياء لأممهم وأقوامهم ما إستطاع حسب وزنه وفرصه.
وكيف كانت تلبية الأنبياء والمرسلين للامم والاقوام ؟ تقويم داخلي وكفاح خارجي ، أهم أمانة يتحملها رسول أو إمام أو فقيه أو عالم هو أن لا يهمل إنسانية إنسان ولا يبيعها بثمن ، أن يتعلم على يده الإنسان أن دينه هو أكبر شيئاً عليهم وأن إنسانيته أنسس شيئاً في وجوده ، فمن هذا المنطلق لا يقبل الذلة والهوان ولا الظلم في الخارج .
أن يطلب الرآي الراجح في الأمور ويقبل به ويستعين بأهل الخبرة والبصيرة وأن يكون هو نفسه من أهل القدرة على الترجيح ولا يُقاد قولا فيكون الأمعة .
ان ينزل عند رآي أصغر الناس وأبعدهم منه إذا رآى فيه الحق والمصلحة وأن يرد الراي من أكبر الناس الذين حوله إذا رآى فيه الزيغ والمفسدة ، ولا يجامل على الحق الذي اخذ الله العهد من عباده بإتباعه ، عليه أن يتبين دائما موضع قدمه من الحق والمصلحة حتى إذا أخذ من نفسه أنه على الطريق لم يبالي بالقال والقيل ، ان يكون نظره إلى مصلحة إخوانه المستضعفين قبل أن يكون نظره إلى رضاهم .
وكم أساء الناس في علي (عليه السلام) الظن وليس احرص من علي (عليه السلام) على مصالح الناس .
وكم من شق على الأئمة من جماعات لإتهامهم بالتقصير أو عدم الكفاءة او الى ما ذلك وما من مثال اكبر من مثال الائمة في الكفاءة والإخلاص والحرص على مصلحة الناس كل الناس .
أن يعرض كل أهدافه ومشاريعه وخطواته ووسائله على الشريعة التي أمن بها . . فلايعتمد شيئاً من ذلك إلا ما وافقها ولا يقدم ضار على نافع (إذا ترك هذا الإنسان خطوة وسلك خطوة ، لماذا يأخذ بهذه الخطوة ويترك تلك الخطوة ؟ أمامه خطوات ولكن عليه أن يختار) ولا ماهو اكثر ضرراً على ماهو الأقل ، ولا يرتكب مالا جدوى له أو يأخذ بما هو أقل جدوى أو ما ضرره أكثر من نفعه .
وكل ذلك يحتاج لإدراك فقهي جيد وإمعان نظر موضوعي وخبرة ميدانية وتقليب للأمور وإستعانة بأصحاب النظر والخبرة بعيداً عن حالات الإنفعال والإرتجال والتشنج ، وإنها لأمانة كبرى من أبتلي بأمرها كان أمام إمتحان عسير وخطر ديني كبير .